وأعطيناهم الحصان كمان...! ، "لا لي ولا لك ولا للبطاطا" !
يحكي القاضي مُحمدّ فيقول:
كان هناك امرأةٌ صنعانيةٌ فيها تغفيل، وقد تُوفي أبوها وأمها منذ فترة، وفي يومٍ من الأيّام كان زوجها في عملهِ، وهي جالسةٌ في البيتِ، فدقّ عليها باب البيت رجلٌ دجّال، ففتحت له، فقال لها: أنتِ فلانة، وأبوكِ فلان، وأمك فلانة؟، قالت: نعم، فقال: أبوكِ وأمكِ يتعرسوا في الجنَّة –أي يعمل لهما عرسٌ في الجنَّة- وهما يحتاجانِ إلى ملابس لزوم العرس، والزفَّة، فقالت: صدق؟! لابُدّ أن أُحضر لهما أحسن الثياب.. لكن من أنت؟، قال الدجّال: مُزيِّن البلى –المزين: الحلاّق، والبلى: الموتى- فقالت: مرحبًا.. أعطني خمس دقائق لأجمع لك خير الملابس، ثُمَّ جمعت له صرّتين كبيرتين واحدةٌ فيها ملابس رجال لأبيها، والأخرى ملابس نساء لأمها، فأخذهما الدجال وهذب مُسرِّعًا، وبعد قليل جاء زوجها من عملهِ مُتعبًا، فلمَّا فتحت له الباب قالت: قل لي جنّة –وهي عبارة صنعانية تعني: هنأني- فقال: لماذا؟، قالت: قل لي جنّة، قال: جنّة، قالت: أبي وأمي هيتعرسوا –أي سوف يتعرسون- في الجنّة، فقال: كيف؟ فحكت له القصة كلها، فصاح بها وقال: انت غبيةٌ بلهاء، هيّا جهزي لي الحصان حتَّى ألحق هذا الدجال بسرعة، فجهزت له الحصان فركب عليه وأغذ السير –أي أسرع-، حتَّى رأى من بُعد الدّجَّال وفي يديه الصرتان، والتفت الدّجَّال فرآه، فأدرك أنَّهُ زوج المرأة التي خدعها، وفكَّر بسرعة في كيفيّة الخروج من هذا المأزق، وفي أثناء تفكيرهِ رأى رجلاً أصلع يحرث في قطعة أرضٍ بجوار جبل، وبجوارهِ كومة من القشِّ الكبيرة، فأقبل الدجال ناحية الرَّجل الأصلع، وخبَّأ الصرتين في كومة القش، ثمّ قال الدجال للرجل الأصلع: أترى الرّجل القادم على الحصان هناك؟ أنه مُرسل من قِبلِ السلطان ليصنع من رؤوس الصّلع بطاطا –البطاط: عبارةٌ عن إناء من الجلد يوضع فيه الزيت-، وكان الرّجل الأصلع غبيًّا مُغفلاً، فصدّقه وقال له: وما العمل؟ قال الرجل: أرى أن تُحاول الهرب منه، فتصعد الجبل، فلا يصل إليك، فنفَّذ الرجل الأصلع ما أشار عليه به الدّجال، وعندما وصل الزوج إلى الدجال سألهُ: ألم تر رجلاً يحمل صرتين؟ فقال الدجال: نعم، هذا الذي صعد فوق الجبل، فقال زوج المرأة: ولكنِّي لا أستطيع أن أُطاردهُ فوق الجبل وأنا على الحصان، فقال الدّجال: دع الحصان عندي أحفظه لك حتَّى تصعد على الجبل وتُمسك بالرِّجل، فقال زوج المرأة: شكرًا لك، ولكن حافظ على الحصان، فقال الدّجال: نعم، نعم، طبعًا.
ثُمَّ صَعَدَ زوج المرأة على الجبل ليُطارد الأصلع، فلمَّا أبصره الأصلع يُطارده، تأكَّدَ له أنه يُريد أن يصنع من صلعتهِ بطاطا، فلمَّا اقترب زوج المرأة من الأصلع، كان يقول له وهو يُطارده: خُذْ واحدة ودع واحدة –وهو يريد الصرتين-، والرَّجل الأصلع يضرب على رأسهِ ويقول: والله ما معي إلاَّ هذه –وهو يريد صلعته-.
وفي النّهاية أخذ الرّجل الأصلع حجرًا مدببًا، وتوقف عن الجري وأخذ يضرب رأسه بالحجرِ ليشجّها، ويقول: لا لي ولا لك ولا للبطاط !، فلمَّا رآه زوج المرأة يفعلُ هذا، استفسر عن السبب، فحكى له، وعرف أنَّه ليس هو اللص الذي خدع زوجته، وتبيّن له أنَّا اللص هو الذي ترك عنده الحصان، فنزل مسرعًا فرأى اللص على بُعد لا يُمكن الوصول إليه، وقد ركب الفرس، ووضع إحدى الصرتين في ناحية الفرس والصرَّة الأخرى في النَّاحية الأخرى، فعلم أنَّه قد ضاع منه الفرس كما ضاعت الصرتان، وأنَّهُ خُدعَ كما خُدعت زوجته، فعاد إلى بيتهِ مُتعبًا محسورًا مخزيًّا لا يدري ما يقول لامرأتهِ، وقد وبّخها وشتمها على صرتين، فماذا ستقول له، وقد أضاع الحصان؟!
فلمَّا وصل وفتحت له، قالت: ما فعلتم؟ فقال بسرعة: وجدناه صدقًا، وزفتهم يوم الخميس، ولم يكن لديهم حصان، فأعطيناهم الحصان كمان ليتمخيلوا عليه –أي ليختالوا عليه- !
ويذكر أن القاضي العمراني –حفظه الله- أرسل أحد أولادهِ لتحصيل دَيْنٍ كان عند أحد النَّاس، ولَّما وصل ابن القاضي إلى المدين استطاع هذا الأخير أن يقترض مبلغًا ثانيًا بالإضافة إلى الأول، فلمَّا عاد ابن القاضي على البيت سأله القاضي: ماذا فعلت؟، فقال: أعطيناهم الحصان كمان ...!، ففهم القاضي ما وقع.